أنا حُـــر

Sunday, May 20, 2007

حادث بوح





الواحدة بعد منتصف الليل .. وحدى والظلام فى هذا الشارع .. الصمت يخيم على المكان إلا أصوات أبواق بعض السيارات البعيدة على إستحياء .. أتساءل " لماذا أنتظر ,, ولمن ؟ " .. دون إنتظار إجابة أرفع يدى مُشيراً لإحدى سيارات الأُجرة .

- بعد إذنك يا أستاذ دقيقة بس ( أَفَوِلَ ) غاز .
- إتفضل .

عادة عندما أستقل إحدى وسائل المواصلات أنظر إلى أحد المحلات البعيدة وأعتبره هدفاً .. يقترب أكثر فأكثر حتى أعبره لأُحدد غيره .. محاولة لكسر الملل بعض الشىء .

فى محطة البنزين ,,

الإنتظار وحده يتحكم فى كل شىء .. دورُنا السابع بين السيارات .. أُحاول أن أُدردش مع السائق فى بعض الأمور لقتل الصمت .. يُحدثنى عن أفعال الحكومة ومعاملتها للشعب كما العبيد لأُحدثه عن تاريخ محمد على .. يصل بالحديث إلى إعترافه لى بأنه رغم كبره فى السن إلا أنه مازال قادراً على ( فتح بيت ) آخر .. فهو يفكر جدياً هذه الأيام فى الزواج بأُخرى .. فهو مثلما يقول سائق تاكسى ( كَسِيب ) ومنذ أن إنتهى من تسديد آخر أقساط السيارة لم يعد يحمل هم أى شىء .. أقطع تواصلى معه بالسرحان بعض الشىء وأسأل نفسى " هل يأت يوماً أقدر فيه على ( فتح بيت ) ؟ " .

الشوارع والظلام مرة أخرى .. لا أقدر على تحقيق هدف محدد فالمحلات مغلقة والظلام سائد حتى وجدت تلك الفتاة على بُعد .. إعتبرتها الهدف .. إقتربت أكثر فأكثر .. وراحت ملامحها تتضح أكثر فأكثر حتى وجدتها تشير بيدها للسائق .. إستقلت السيارة معنا .

********************

- هشوفك ؟
- قريب .
- نازل إمتى ؟
- مش عارف لسه
.

********************


تجلس فى الكرسى الخلفى .. أسمع نهنهات تحاول أن تخفيها ولكنها كانت مسموعة .. السائق يحاول بقدر الإمكان فتح أى موضوع معها ولكن دون جدوى فلم أستمع لصوتها حتى الآن .. يسحب السائق منديلاً ويناولها إياه .. تعتذر فى خجل بالإشارة .. حتى يضغط عليها قائلاً فى حنان " خدى يا بنتى " .. يأخذها البكاء .

********************

- بتحب ؟
- ومابحبش .
- يعنى ايه ؟
- حب مش كامل .

********************

سيارة ما تتبعنا فى جنون .. تصل لمسامعنا " اقف .. اقف " فى حدة .. أتعجب والسائق .. يسألنى " تبعك يا استاذ ؟ " أُسارعه بالنفى .. أنظر فى المرآة لأجد الفتاة تبكى فى عصبية .. أسألها فى جمود " عايزاهم ولا لأ ؟ " .. أنظر فى المرآة مرة أخرى لأجد إشارتها بالنفى .. لتبدأ المحاورة .

********************

- يعنى إيه حب مش كامل ؟
- أن أحبها ,, ولا أقدر على البوح
- ليه ؟
- إن كان يحلو لى حبها ,, هل يحلو لها ؟!

********************

السيارة فى طريق الكورنيش .. لا شوارع جانبية ولا منافذ .. أنتظر والسائق أن تحدثنا الفتاة عما يحدث ولكن دون جدوى .. فقط صوت نهنهتها الذى يعلو شيئاً فشيئا .. يتسرب الملل إلى السائق من كثرة المحاورة دون سبب .. يتوقف .

********************

- وهى ؟
- مالها ؟
- فين ؟
- هى ف بلد وأنا ف بلد .

********************

فى السيارة أنتظر القادم من السيارة الأُخرى .. يفتح الباب الخلفى ويجذب الفتاة رغماً عنها .. أسمع صوتها لأول مرة .. صوت رقيق تفسد جهشة البكاء الكثير من عذوبته .. تتوسل إلى السائق قائلة " ربنا يخليك ماتسبنيش ليهم " يسارعها بالرد " أنا كبير ف السن يا بنتى .. ماقدرش " .. تتجه إلى شخصى دون أن ألتفت إليها تتوسل أكثر ولا ألتفت .. أشعر بها تُقبِل كتفى فى رجاء أكثر " والنبى ماتسيبنى ليهم " .. لا ألتفت .. فلم أجد منها ما يقنعنى أن أدافع عنها .. يأخذها الرجل للسيارة الأخرى وأنا أُتابع الموقف من المرآة الجانبية .

********************

- أنا ف بلد وإنت ف بلد !!
- فعلا .
- أنا هى ؟؟!
- .......... !!
- مش لاقيه سبب إنك تخاف تبوح .
- و ...... ؟
- لذلك هعتبرك ماقولتش حاجه .
- لإمتى ؟
- لحد ما تقدر تبوح .

********************

أنا والسائق وحدنا والظلام فى هذا الشارع .. الصمت يخيم على المكان إلا أصوات أبواق بعض السيارات على إستحياء .. نحاول أن نبرر ما حدث منا .. " أنا كبير ف السن يا أستاذ ,, مش حمل الضرب " .. أبرر قائلاً " عموما كانوا اكتر منا ,, وأنا ضعيف " .. تبدأ السيارة فى التحرك .. ينبهنى السائق لبصمات أحمر الشفاه التى على كتف الجاكيت بقايا قُبلة توسل الفتاة .. أتحسس كتفى لأجد أحد أصابعى وقد تلطخ بأحمر الشفاه .. أبتسم فى هدوء قائلاً " تقريبا هحتاج أغيّر الجاكيت
" .